سليديرمقالات

الهيدروجين الأخضر… بين مطرقة الإنتقال الطاقي و سندان الشحّ المائي

مبروكة خذير و فتحية خذير كوسموس ميدياتونس

في الوقت الذي يشكل فيه الهيدروجين الأخضر أحد الحلول الواعدة لتحقيق تحول طاقي نظيف يواكب الهدف العالمي لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، تُطرح معادلة معقدة تتعلق فقط بتوازن مستدام بين إنتاج هذه الطاقة الصديقة للبيئة والمخاطر التي قد تهدد الموارد المائية المحلية بل تمتد لتشمل أبعاداً اجتماعية وجغرافية.

فبينما تسعى الدول الصناعية الكبرى إلى الاستفادة من الهيدروجين الأخضر لتقوية اقتصادها وتحقيق أهدافها المناخية، تظل المجتمعات المحلية في دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط، التي تُعد من أهم مناطق الإنتاج، تعاني من الآثار البيئية الناجمة عن ضخامة هذه الصناعة، من استنزاف الموارد المائية إلى التحديات البيئية المرتبطة بالاستهلاك الطاقي.. فبينما يساهم الهيدروجين الأخضر في خفض الانبعاثات الكربونية، يظل استهلاكه للكهرباء و الماء عالياً، ما يفرض دراسة دقيقة لتأثيراته البيئية والاجتماعية، خصوصاً فيما يتعلق باستنزاف المائدة المائية التي تعتمد عليها المجتمعات والزراعة في مناطق عدة.

هذا التباين يعكس واقعاً يتطلب مراجعة استراتيجية شاملة تدمج العدالة البيئية والتنمية المستدامة لضمان أن تكون فوائد ثورة الهيدروجين الأخضر متاحة للجميع دون أن تتحمل الفئات الأضعف الأعباء الأكبر.

الهيدروجين الأخضر: طاقة مستدامة ومحرك التحول الطاقي العالمي

الهيدروجين الأخضر يُعد من أهم مصادر الطاقة النظيفة التي تعتمد على فصل جزيئات الماء عبر التحليل الكهربائي باستخدام كهرباء مستمدة من مصادر متجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مما يجعله خاليًا من انبعاثات الكربون خلال عملية الإنتاج. ولهذا السبب، يُعتبر وقودًا مستدامًا يساهم بشكل فعّال في الحد من آثار التغير المناخي وتعزيز التحول نحو اقتصاد أقل انبعاثًا للكربون.

توجد عدة أنواع من الهيدروجين، لعل أهمها الرمادي والأزرق والأخضر بحسب طريقة الإنتاج. أما الهيدروجين الأخضر   الذي يتم إنتاجه باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، مثل طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية، من خلال عملية تسمى التحليل الكهربائي.

وفي هذه العملية، يتم استخدام الكهرباء من مصادر للطاقة المتجددة لتحليل الماء H2O إلى مكونيه الأساسيين: الهيدروجين والأكسجين، وهي عملية لا ينتج عنها أي انبعاثات كربونية في الجو.

يتميز الهيدروجين الأخضر بإمكانيات واسعة للاستخدام في توليد الكهرباء من خلال خلايا الوقود بكفاءة عالية، إلى جانب سهولة تخزينه ونقله عبر شبكات الغاز الطبيعي القائمة، مما يمنحه ميزة تنافسية في مختلف القطاعات الصناعية والنقل، حيث يمكنه أن يحل محل الوقود الأحفوري التقليدي ويقلل من الانبعاثات الضارة بالبيئة.

ومع ذلك، يظل إنتاج الهيدروجين الأخضر يتطلب كميات ضخمة من الطاقة بسبب حاجته لعملية التحليل الكهربائي، ما يؤدي إلى تكاليف إنتاج مرتفعة نسبيًا مقارنة ببعض مصادر الطاقة الأخرى. كما يستلزم تطوير بنى تحتية متقدمة وتقنيات حديثة لتحسين كفاءة الإنتاج وخفض التكاليف، بالإضافة إلى معالجة التحديات الأمنية المتعلقة بالتسرب والسلامة التي قد تطرأ خلال عمليات التخزين والنقل.

الهيدروجين الأخضر يتمتع بتطبيقات واسعة ومهمة تجعله محوراً رئيسياً في التحول نحو اقتصاد طاقي نظيف ومستدام . يأتي الاهتمام المتزايد بإنتاج الهيدروجين الأخضر نتيجة لتراكم عدة عوامل ومحركات تحفز على تسريع الاعتماد عليه كبديل للطاقة التقليدية. من أبرز هذه الأسباب وجود خطط دولية وإقليمية تهدف إلى تقليل أو إزالة انبعاثات الكربون التي تعد المحرك الرئيسي للاحتباس الحراري وتغير المناخ، حيث يمثل الهيدروجين الأخضر خياراً عملياً لتخفيض الانبعاثات خاصة في القطاعات التي يصعب فيها تقليلها مثل الصناعات الثقيلة وقطاع النقل و هو  ما يساعد الدول المصنّعة خاصة على تحقيق أهدافها المناخية والالتزام باتفاقيات تقليل الانبعاثات العالمية.

كما يشكل الهيدروجين جزءاً أساسياً من التحولات الجذرية في منظومات الطاقة الحديثة، إذ يعد بديلاً نظيفًا وفعالًا لتخزين الطاقة المتجددة ونقلها، مما يعزز من استدامة الأنظمة الطاقية. وإلى جانب ذلك، يوفر قطاع إنتاج الهيدروجين الأخضر فرصاً اقتصادية كبيرة بإمكانها خلق وظائف جديدة وتحفيز النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات في مشاريع البنية التحتية للطاقة المتجددة.

الأمن الطاقي أيضاً يلعب دوراً محورياً في الاهتمام المتزايد، فإنتاج الهيدروجين من مصادر متجددة محلية يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد، مما يعزز من استقلالية الدول في مجال الطاقة ويوفر ثباتاً أكبر في الأسعار. بالإضافة إلى ذلك، يسعى العديد من البلدان إلى تعزيز موقعها التنافسي عالمياً عبر أن تكون رائدة في سوق الهيدروجين الأخضر المتوسع، مستفيدة من الابتكار التكنولوجي وفرص التصدير المستقبلية.

وأخيراً، يساهم الهيدروجين الأخضر في دمج مصادر الطاقة المتجددة بشكل أكثر فعالية، من خلال تخزين الفائض من الطاقة الشمسية والريحية واستخدامه في أوقات ذروة الطلب، ما يدعم استقرار الشبكات الكهربائية ويعزز الموازنة بين العرض والطلب. كل هذه الأسباب مجتمعة تجعل من الهيدروجين الأخضر محوراً استراتيجياً للتحول الطاقي المستدام في المستقبل القريب.

الهيدروجين الأخضر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: واقع وآفاق تحول طاقي مستدام

خلال السنوات الأخيرة، تسارعت وتيرة السباق في دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط نحو إنتاج الهيدروجين الأخضر، باعتباره أحد أهم محركات التحول الطاقي العالمي ورافعة محتملة لتنمية اقتصادية وصناعية جديدة في المنطقة.

في حديثه مع كوسموس ميديا، أكد جواد الخراز، منسق الشبكة المتوسطية للطاقة النظيفة والمدير السابق للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة (RCREEE)، أن “الانتقال إلى الهيدروجين الأخضر بات ضرورة استراتيجية وليس خيارًا ترفيًّا”، مشيرًا إلى أن “الحافز الأول جاء من أوروبا، وخاصة من ألمانيا، بعد الحرب الروسية الأوكرانية التي كشفت هشاشة منظومة الأمن الطاقي الأوروبي وأبرزت الحاجة إلى مصادر بديلة ونظيفة ومستقرة”.

وأوضح الخراز أن ميزة دول شمال إفريقيا تكمن في قدرتها على إنتاج الطاقة المتجددة بأسعار منخفضة جدًا، تتراوح بين سنت إلى سنتين أمريكيين لكل كيلوواط ساعة، وهي من بين الأدنى في العالم. وأضاف: “هذا يجعل من المنطقة وجهة جذابة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، خاصة مع القرب الجغرافي من أوروبا الذي يسهّل عملية النقل عبر الأنابيب أو السفن، بالاعتماد على البنى التحتية القائمة لأنظمة الغاز الحالية، وهو عامل دعم مهم لنجاح هذه المشاريع”.

ويحمل هذا القطاع آمالاً كبيرة تتجاوز البعد البيئي نحو تحقيق تنويع اقتصادي وخلق فرص شغل جديدة، بالإضافة إلى تطوير صناعات مرتبطة بسلاسل القيمة للهيدروجين مثل الأمونيا الخضراء والحديد الأخضر والأسمدة المستدامة. وتعد دول مثل الجزائر، مصر، ليبيا، موريتانيا، المغرب وتونس من أبرز المنافسين في هذا المجال، بفضل إمكاناتها الشمسية والريحية الضخمة التي تُعد من الأعلى عالميًا، مما يتيح لها إنتاج هيدروجين منخفض التكلفة وقادر على المنافسة في الأسواق العالمية.

حركة stop pollution يتظاهرون ضد مشاريع الهيدروجين الاخضر في قابس

وأشار الخراز إلى أنه “رغم وجود بعض التأخر على المستوى السياسي والتنظيمي، فإن هناك حراكًا عربيًا متناميًا نحو إعداد خطط واستراتيجيات وطنية وإقليمية لتطوير هذا القطاع”، مضيفًا أن “العمل جارٍ لبلورة رؤية مشتركة وسوق موحدة للهيدروجين الأخضر في المنطقة العربية والمتوسطية، تُمكّن من تبادل الخبرات، وجذب الاستثمارات، وتطوير مشاريع عابرة للحدود”.

ويُتوقع أن تلعب المنطقة دورًا محوريًا في تزويد أوروبا بالهيدروجين الأخضر في السنوات القادمة، خصوصًا مع المشاريع التي يجري تطويرها في المغرب ومصر والسعودية، ما يجعل الجنوب المتوسطي شريكًا أساسياً في تحقيق الحياد الكربوني العالمي بحلول عام 2050.

سباق الهيدروجين الأخضر في الشرق الأوسط.. والسعودية في موقع الريادة

في ظل ما يشهده العالم من هذا التحولً المتسارع نحو مصادر الطاقة النظيفة و في ظل تزايد الضغوط البيئية وارتفاع الحاجة إلى حلول بديلة للوقود الأحفوري،دخلت دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في سباقٍ متنامٍ لتطوير مشروعات الهيدروجين الأخضر، مستفيدة من وفرة موارد الطاقة الشمسية والرياح. وبين هذه الدول، تبرز المملكة العربية السعودية كأحد أبرز المساهمين في هذا التحول، عبر خطط واستثمارات واسعة تهدف إلى جعلها مركزًا رئيسيًا لإنتاج وتصدير هذا الوقود النظيف.

تسعى المملكة العربية السعودية إلى تعزيز موقعها في سوق الطاقة النظيفة من خلال الاستثمار المكثف في إنتاج الهيدروجين الأخضر، في إطار توجهها نحو تنويع مصادر الطاقة وتقليل الانبعاثات الكربونية.

ففي عام 2024، أعلنت المملكة عن خطط لإنتاج نحو 2.9 مليون طن سنويًا من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030، على أن يرتفع الإنتاج إلى 4 ملايين طن سنويًا بحلول عام 2035. وتشير البيانات إلى أن السعودية تمتلك ما لا يقل عن 10 مشاريع قيد التنفيذ أو التطوير في هذا المجال، من بينها مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر، الذي يُعد من أكبر المشروعات العالمية باستثماراتٍ تصل إلى 8.4 مليار دولار.

تأتي هذه الخطوات ضمن رؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط وتعزيز الاقتصاد المستدام. وتعتمد المشاريع الجارية على مزيج من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لإنتاج الهيدروجين، مع إدماج تقنيات حديثة في التحليل الكهربائي وإعادة تدوير النفايات، ما يسهم في خفض تكاليف الإنتاج وتقليل الانبعاثات.

ويرى مختصون في مجال الطاقة أن هذه المشاريع قد تسهم في خلق فرص عمل جديدة داخل المملكة، خاصة في قطاعات البحث والتطوير والهندسة والطاقة المتجددة، إلى جانب نقل التكنولوجيا وتعزيز القدرات المحلية في مجالات الطاقة النظيفة.

هذا وتمثل مشروعات الهيدروجين الأخضر في السعودية جزءًا من التحول العالمي نحو الطاقة منخفضة الكربون، في وقت تتزايد فيه المنافسة بين دول المنطقة لتأمين موقعها في الاقتصاد الأخضر. ومع استمرار تنفيذ الخطط المعلنة، يبقى التحدي في تحقيق الجدوى الاقتصادية وضمان استدامة الإنتاج على المدى الطويل، خصوصًا في ظل التقلبات العالمية في أسعار الطاقة وتمويل المشاريع الكبرى.

الإمارات.. سباق نحو ريادة الهيدروجين الأخضر

في مشهد التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، تبرز دولة الإمارات العربية المتحدة كلاعب رئيسي يسعى إلى ترسيخ موقعه في طليعة الدول المنتجة للهيدروجين الأخضر. فالدولة الغنية بالطاقة لا تكتفي بما حققته في مجالات النفط والغاز، بل تستثمر اليوم بكثافة في مشاريع جديدة تعيد رسم خريطة الطاقة في المنطقة والعالم.

من أبرز هذه المشاريع حديقة محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، التي تُعد واحدة من أكبر مشاريع الطاقة المتجددة على مستوى العالم. في هذه الحديقة، تتقاطع أشعة الشمس مع التكنولوجيا الحديثة لتوليد الهيدروجين الأخضر، الذي يُنظر إليه كوقود المستقبل في النقل والصناعة وإنتاج الكهرباء.

وتعمل الإمارات على دمج الهيدروجين الأخضر ضمن استراتيجيتها الوطنية للطاقة، بخطة طموحة لإنتاج نحو 1.4 مليون طن بحلول عام 2031، مع هدف طويل المدى لرفع الإنتاج إلى 15 مليون طن سنويًا بحلول عام 2050. ويبلغ عدد المشاريع النشطة في هذا المجال 14 مشروعًا، تتركز على تطوير واحات للطاقة المنخفضة الكربون تعكس رؤية الدولة في تحقيق توازن بين التنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية.

هذه الرؤية الطموحة تقترن أيضًا بمساعٍ لتأمين 25% من الحصة العالمية لسوق الهيدروجين، وهو ما يعكس رغبة الإمارات في أن تكون مركزًا دوليًا لتجارة الطاقة النظيفة. وتبرز هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) كمثال على هذا التوجه، من خلال مشاريع مبتكرة تستخدم الطاقة الشمسية لتوليد الهيدروجين الأخضر، بما يدعم قطاعات الصناعة والنقل ويعزز أمن الطاقة.

وفي سياق أوسع، تشير تقديرات وحدة أبحاث الطاقة لعام 2025 إلى أن دول شمال أفريقيا تخوض بدورها سباقًا متسارعًا في هذا القطاع. إذ تستهدف المنطقة إنتاج 5.2 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا بحلول عام 2030، ترتفع إلى 25 مليون طن بحلول عام 2050. وتتصدر مصر المشهد ببرنامج ضخم لإنتاج 3.2 ملايين طن بحلول 2030، فيما تسعى موريتانيا والمغرب وتونس إلى ترسيخ مواقعها في خارطة الطاقة الجديدة من خلال مشاريع تصدير للهيدروجين والأمونيا.

المغرب والهيدروجين الأخضر: نحو قيادة إقليمية في الطاقة النظيفة

يُعد المغرب اليوم من أبرز اللاعبين في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر بشمال إفريقيا لعام 2025، مدفوعًا بخطط طموحة واستثمارات قياسية. تعتمد المملكة على مواردها الطبيعية الوفيرة من الطاقة الشمسية والرياح، وتعمل على تنفيذ مشاريع عملاقة تهدف إلى تحويل المغرب إلى أحد أكبر المنتجين والمصدرين للهيدروجين الأخضر على المستوى الإقليمي، مع استهداف إنتاج نحو 3 ملايين طن سنويًا بحلول 2030، وتوقعات بأن يصبح من أقل الدول تكلفة في العالم لإنتاج هذا الوقود النظيف.

في خطوة استراتيجية، أعلنت الحكومة المغربية تخصيص أكثر من مليون هكتار في الأقاليم الجنوبية الثلاث، بما فيها مناطق الصحراء، لإطلاق ستة مشاريع كبرى للهيدروجين الأخضر، تتراوح مساحاتها بين 100 و300 كيلومتر مربع لكل مشروع. وتنفذ هذه المشاريع بالشراكة مع مستثمرين محليين ودوليين، أبرزهم شركات مثل “أكوا باور” السعودية، و“طاقة” الإماراتية، و“توتال إنرجي” الفرنسية.

وفي أكتوبر 2025، استضافت مدينة مراكش الدورة الخامسة للقمة العالمية للهيدروجين الأخضر، التي جمعت أكثر من 1750 مشاركًا من 40 دولة، لتعزيز التعاون الدولي ومناقشة دور المغرب كمركز إقليمي للعلاقات التجارية وترسيخ مكانته في الاقتصاد الأخضر العالمي.

رغم هذه الطموحات الكبيرة، تواجه مشاريع الهيدروجين الأخضر في المغرب عدة تحديات، أبرزها ارتفاع تكلفة الإنشاءات والبنية التحتية، والحاجة إلى رفع مستوى الكفاءات التقنية والبحث العلمي، إلى جانب ضرورة وضع أطر تشريعية وتشغيلية واضحة لجذب الاستثمارات المستمرة، والتحديات البيئية المرتبطة بإدارة الموارد المائية المستخدمة في تحلية المياه لإنتاج الهيدروجين.

ومع ذلك، يواصل المغرب السير نحو رؤية شاملة للنمو الاقتصادي المستدام عبر الاعتماد على طاقة نظيفة ومتجددة. وتحالفات المستثمرين الدوليين واستراتيجية الدولة الطموحة تجعل المغرب في مصاف الدول الرائدة قارياً وعالمياً في هذا المجال، رغم التحديات التي تتطلب إدارة متوازنة وشفافية للحفاظ على التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة.

مصر تتسابق نحو الريادة في الهيدروجين الأخضر

تحتل مصر المرتبة الرابعة عربيًا في سباق الهيدروجين الأخضر، مع خطة لبناء أكبر مصنع عالمي للوقود النظيف في جنوب سيناء، باستثمارات تصل إلى 17 مليار دولار على مساحة 127 كيلومترًا مربعًا، قادر على إنتاج 400 ألف طن سنويًا. هذا المشروع يُعد حجر الزاوية في استراتيجية مصر الوطنية للهيدروجين الأخضر، التي تهدف إلى الاعتماد الكامل على مصادر الطاقة المتجددة بقدرة 3.1 جيجاواط عند اكتمال مراحل البناء بحلول 2035، مع توقعات بإيجاد نحو 10 آلاف فرصة عمل في المرحلة الأولى.

حتى نهاية 2024، أعلنت مصر عن 37 مشروعًا في مجال الهيدروجين، منها 19 للهيدروجين الأخضر و3 للهيدروجين الأزرق، مع استثمارات أجنبية مباشرة بلغت نحو 215.5 مليار دولار بين 2021 و2023. تتركز هذه المشاريع في مناطق استراتيجية مثل العين السخنة والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، التي تضم أكثر من 80% من مشروعات الهيدروجين في البلاد.

تواصل مصر تعزيز إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، حيث ارتفع الإنتاج إلى 11.6 ألف جيجاوات/ساعة في العام المالي 2023/2024 مقارنة بـ10.6 ألف في العام السابق، ضمن رؤية تهدف لتغطية 42% من الاحتياجات الكهربائية بحلول 2035. وفي نفس الوقت، تعمل الدولة على تطوير إنتاج الأمونيا والصلب الأخضر، بما يعزز التكامل الصناعي مع مشروعات الهيدروجين.

ورغم هذه الإنجازات، تواجه مصر تحديات كبيرة تشمل التمويل الضخم، تطوير البنية التحتية، نقص الكوادر الفنية الماهرة، والمنافسة التقنية الدولية، إلى جانب تقلبات الاستثمار، كما ظهر في 2025 مع إلغاء بعض المشاريع عقب سحب تمويلات كبيرة، ما يبرز المخاطر المرتبطة بهذا القطاع الناشئ.

وفي موازاة ذلك، تواصل مشاريع أخرى ضخمة طريقها نحو التنفيذ، أبرزها استثمارات بقيمة 12 مليار دولار في البتروكيماويات والهيدروجين بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بما يعكس الطموح المصري للتحول إلى مركز إقليمي وعالمي للطاقة النظيفة، مع الحاجة إلى استراتيجيات متوازنة ومشاركة مجتمعية واسعة لضمان استدامة هذا النجاح.

الجزائر تتجه نحو ريادة الهيدروجين الأخضر في المنطقة

يشهد قطاع الهيدروجين الأخضر في الجزائر تحولات بارزة خلال عام 2025، مع خطوات استراتيجية تهدف إلى تحويل البلاد إلى مركز إقليمي لإنتاج وتصدير الطاقة النظيفة، مدعومة بشراكات دولية متنامية.

خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، شهدت الجزائر توقيع عدة صفقات كبرى في مجال الطاقة المتجددة، شملت تصنيع الألواح الشمسية، وإقامة محطات كهروضوئية ضخمة، وبناء منشآت لتخزين الكهرباء عبر البطاريات، إلى جانب مبادرات تمويل أوروبية لمشاريع الهيدروجين الأخضر.

ويبرز مشروع “طاقاتي 2 (TaqatHy+)” كأحد أبرز البرامج الداعمة، بمشاركة وزارة الطاقة الجزائرية والاتحاد الأوروبي وألمانيا، بتمويل يصل إلى 28 مليون يورو، يمتد حتى عام 2029، ويهدف إلى تسريع نشر الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر وتعزيز الشراكات التقنية.

وتسعى الجزائر لتحقيق إنتاج يصل إلى 1.2 مليون طن من الهيدروجين الأخضر بحلول 2040، بالاعتماد على مواردها الكبيرة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، واستغلال مساحات شاسعة من الأراضي الصحراوية غير المستغلة.

كما عزز انضمام الجزائر إلى التحالف الأفريقي للهيدروجين الأخضر تعاونها الإقليمي والدولي، في خطوة تهدف إلى تطوير سوق الهيدروجين، وتنويع الاقتصاد الوطني، وتسهيل الانتقال نحو الطاقة النظيفة.

ورغم الإمكانيات الكبيرة، تواجه الجزائر تحديات تشمل تمويل المشاريع، وتطوير البنية التحتية، وتأهيل الكوادر الفنية، وضمان توطين التكنولوجيا، إلى جانب المنافسة العالمية على هذا القطاع الناشئ.

يبقى الموقع الاستراتيجي للجزائر ومواردها الطبيعية ومناخها المميز عناصر قوة توفر لها فرصًا كبيرة لجذب الاستثمارات وتعزيز الأمن الطاقي. وبذلك، تتجه الجزائر لتكون لاعبًا رئيسيًا في سوق الهيدروجين الأخضر على المستوى العالمي، مع توقعات بقفزات نوعية خلال السنوات المقبلة.

تونس تتجه نحو تعزيز مكانتها في قطاع الهيدروجين الأخضر

تسعى تونس لتعزيز حضورها في قطاع الهيدروجين الأخضر ضمن استراتيجيتها الوطنية الطموحة، التي تهدف إلى إنتاج 8.3 مليون طن من هذا المصدر بحلول عام 2050، مع تصدير أكثر من 6 ملايين طن إلى الأسواق الأوروبية والعالمية.

ويتم تنفيذ هذه الاستراتيجية من خلال جذب استثمارات محلية وأجنبية تصل قيمتها الإجمالية إلى نحو 120 مليار يورو، في مشاريع يُتوقع أن توفر حوالي 430 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة. ويركز البرنامج الوطني على تطوير نسيج مؤسساتي متكامل، قائم على الكفاءات والخبرات الوطنية في مجالات الطاقة المتجددة وإنتاج الهيدروجين الأخضر.

وفي هذا السياق، أكدت فتيحة العميري، المسؤولة عن إعداد وتنفيذ المشاريع الجماعية، في حديثها مع منصة “كوسموس ميديا”: “الشركات الأجنبية تستثمر في تونس بسبب التسهيلات الإدارية وتوفر اليد العاملة المؤهلة والتكلفة المناسبة، وهذا يحتاج إلى نقاش شفاف وواضح مع جميع الأطراف.”

مسيرات ترفض مشاريع الهيدروجين الاخضر في تونس

ومن بين أبرز المشاريع التي تم الإعلان عنها توقيع مذكرات تفاهم في 2024 مع شركات عالمية مثل “توتال إنرجي” الفرنسية و”فاربوند” النمساوية، لتطوير مجمعات لإنتاج الهيدروجين الأخضر بقيمة استثمارية تصل إلى 8 مليارات يورو في المرحلة الأولى، بهدف إنتاج 200 ألف طن سنويًا، مع خطط لزيادة الإنتاج إلى مليون طن سنويًا في المراحل المتقدمة.

وتطمح تونس من خلال هذه المبادرات إلى الحد من العجز الطاقي الوطني والتحول نحو نموذج طاقي مستدام يعتمد على تنويع مصادر الطاقة، مع التركيز على استغلال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي تتمتع البلاد بإمكانات كبيرة فيها.

إلا أن الطريق نحو تحقيق هذه الطموحات ليس سهلاً، إذ تواجه تونس تحديات كبيرة، أبرزها التمويل الضخم المطلوب، والذي يتجاوز الإمكانيات الحالية، رغم استعداد مؤسسات دولية لدعم المشاريع، إلى جانب عبء الدين العام والحاجة إلى بنية تحتية حديثة وكفاءات متخصصة، ما يستدعي استراتيجيات تمويل مبتكرة وجهودًا مكثفة لبناء القدرات الوطنية.

وتترافق هذه الجهود مع نقاشات مجتمعية حول المخاطر البيئية، لا سيما في الجنوب التونسي وولاية قابس، حيث يُثار جدل حول استنزاف الموارد المائية والتأثيرات البيئية للمشاريع، مع مطالبات بزيادة الشفافية وتحقيق العدالة الطاقية. وأوضحت فتيحة العميري أن “هناك مخاضًا كبيرًا ونقاشًا حول الهيدروجين الأخضر في مناطق الجنوب. نحن نعمل كمجتمع مدني على التوعية وفهم المفاهيم الصحيحة، لأن العديد من الأشخاص لديهم فهم مغلوط حول الإنتاج أو التوزيع أو تجميع الهيدروجين الأخضر.” وأضافت: “المخاوف البيئية تترافق مع غياب الشفافية وقلق من تكرار التجارب السابقة في الصناعات الاستخراجية، حيث لم تكن العدالة البيئية والاجتماعية موجودة.”

الهيدروجين الأخضر: طاقة نظيفة تواجه تحديات المياه في شمال إفريقيا

يُعرف الهيدروجين الأخضر كوقود مستدام ينتج عبر تحلل الماء باستخدام الطاقة المتجددة، دون انبعاثات كربونية، ما يجعله خيارًا واعدًا للحد من تلوث البيئة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. لكن، هذا الطموح يثير جدلاً بيئيًا مهمًا في شمال إفريقيا، حيث يواجه الهيدروجين الأخضر تحديًا رئيسيًا يتمثل في استهلاكه الكبير للمياه، المورد الشحيح في المنطقة.

وفقًا لتقارير خبراء وناشطين بيئيين، يحتاج إنتاج 1 كغ من الهيدروجين الأخضر إلى نحو 18 إلى 24 لترًا من المياه العذبة، ما يزيد الضغط على الموارد المائية المحلية التي تعاني أساسًا من الجفاف والندرة. وتعول دول مثل تونس على تحلية مياه البحر لتغطية جزء من هذه الاحتياجات، إلا أن هذه التقنية تنتج مياهًا مالحة مركزة تُعاد إلى البحر، ما قد يؤثر على التنوع البيولوجي البحري.

جواد الخراز، منسق الشبكة المتوسطية للطاقة النظيفة، يرى أن التحديات المتعلقة باستخدام المياه في إنتاج الهيدروجين الأخضر “موجودة، لكن يمكن تجاوزها عبر تقنيات تحلية المياه واستخدام المياه المعالجة، مع الإشارة إلى أن تكلفة المياه تشكل نسبة صغيرة من تكلفة الإنتاج”. وأكد الخراز على ضرورة “إشراك المجتمع المدني والخبراء والجامعات في صنع القرار لتعزيز فهم المشروع وضمان فوائده الاقتصادية والبيئية والاجتماعية.”

فتيحة العميري، المسؤولة عن تنفيذ المشاريع الجماعية، اعتبرت في حديثها مع منصة “كوسموس ميديا” أن “أي مشروع للهيدروجين الأخضر يجب أن يُدرس أثره البيئي والاقتصادي بعناية. إذا وُجد توازن بين الفوائد والآثار السلبية، يمكن دعمه كطاقة نظيفة تدعم التنمية المستدامة”. وأضافت أن “رؤية المجتمع المحلي يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار قبل البدء في أي استراتيجية طاقية جديدة، كما يظهر بوضوح في منطقة قابس التي تطالب بشفافية وعدالة في استخدام الموارد المائية.”

الناشطون البيئيون يرون أن مشاريع الهيدروجين الأخضر تخدم غالبًا الأسواق الأوروبية، على حساب المجتمعات المحلية التي قد تواجه استنزافًا إضافيًا لمواردها الطبيعية. وتثير هذه المشاريع تحذيرات من تفاقم أزمة المياه في مناطق تعاني مسبقًا من شح حاد. بالمقابل، يقترح بعض الخبراء النظر إلى الهيدروجين الأخضر كفرصة لإنشاء منظومة متكاملة للمياه والكهرباء، عبر محطات تحلية مدعومة بالطاقة المتجددة، ما قد يسهم في تلبية احتياجات الشرب والري والزراعة إذا أُدير المشروع بشكل متوازن.

في تونس، تصاعد الجدل مع توقيع اتفاقيات في مايو 2024 مع شركات عالمية مثل توتال للطاقات و”فار بوند” النمساوية لتطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر بقوة إنتاجية تصل إلى 200 ألف طن سنويًا، إضافة إلى مذكرة تفاهم مع المجمع السعودي “آكوا باور” بهدف تطوير قدرة إجمالية تصل إلى 12 جيغاواط من الطاقات المتجددة، مع رفع إنتاج الهيدروجين الأخضر لتجاوز 600 ألف طن سنويًا. وتستهدف هذه الاتفاقيات إنشاء وحدات لإنتاج الأمونيا الخضراء وتصديرها عبر ميناءي قابس أو الصخيرة.

لكن هذه المشاريع أثارت مخاوف حول استنزاف المياه. خير الدين دبية، ممثل حملة “أوقفوا التلوث”، أشار  في حوار له مع منصة كوسموس ميديا إلى أن “إنتاج الهيدروجين الأخضر في تونس يحتاج إلى 248 مليون متر مكعب من المياه المحلاة سنويًا بحلول 2050، أي ما يعادل استهلاك 5 ملايين تونسي”، مضيفًا أن المشروع “موجه أساسًا للتصدير إلى أوروبا، على حساب الأولويات المحلية”. وانتقد دبية سياسة الدولة في إبقاء نموذج التنمية الصناعي الاستخراجي، مع استمرار عمل المجمع الكيميائي في قابس رغم احتجاجات الأهالي.

المرصد التونسي للمياه أكد أن البصمة المائية لمشاريع الهيدروجين الأخضر مرتفعة، وأن استخدام المياه المحلاة لإنتاج طاقة للتصدير يمثل ضغطًا على الموارد الطبيعية، خاصة مع عدم قدرة محطات التحلية الحالية على تغطية احتياجات السكان المحليين.

الهيدروجين الأخضر يبقى مستقبل الطاقة النظيفة، لكنه يتطلب وعيًا كاملًا بالمخاطر والتحديات البيئية والاجتماعية، مع تعزيز البحث العلمي وتحسين التقنيات وإشراك المجتمعات المحلية في اتخاذ القرار. المستقبل يعتمد على قدرتنا على إدارة هذه التحديات بحكمة، وتحويل الفرص إلى نظام طاقي مستدام يدعم التنمية ويحافظ على الموارد للأجيال القادمة.

تحديات الهيدروجين الأخضر في شمال إفريقيا: فرص واعدة وسط عقبات متعددة

يشهد قطاع الهيدروجين الأخضر في دول شمال إفريقيا مرحلة من التحديات المعقدة، رغم ما تقدمه المنطقة من فرص غير مسبوقة بفضل موقعها ومواردها الطبيعية الوفيرة لإنتاج الطاقة النظيفة منخفضة التكلفة. وتواجه الصناعة صعوبات رئيسية تتعلق بتأمين التمويل الاستثماري، إذ يرى المستثمرون مخاطر مرتفعة بسبب تقلب الأسواق واختلاف الأطر التنظيمية بين الدول، ما يجعل الحاجة ملحة لوضع سياسات تحفيزية وضمانات مالية قوية لجذب الاستثمارات.

ويضاف إلى ذلك نقص الكوادر الفنية المؤهلة لتغطية جميع مراحل الإنتاج، من التطوير التقني وحتى التشغيل والصيانة، ما يستدعي إطلاق برامج تدريبية وبناء قدرات محلية. كما تعاني بعض الدول من بنية تحتية غير مكتملة، خاصة في الموانئ وشبكات الكهرباء والمياه، إلى جانب تحديات تحلية المياه الضرورية لعمليات التحليل الكهربائي.

تظل إشكاليات التشريعات والتنظيمات غير الواضحة عائقًا أمام جذب الاستثمارات، بينما يشكل التنافس مع الوقود الأحفوري تحديًا كبيرًا بسبب تكاليف إنتاج الهيدروجين الأخضر. ومع ذلك، تبرز فرص استراتيجية، مثل إمكانية استبدال واردات الغاز الطبيعي بإنتاج محلي، أو استخدام الهيدروجين في صناعة الأسمدة والتصدير، مستفيدة من البنية التحتية الغازية القائمة في بعض الدول.

وتحتل دول شمال إفريقيا موقعًا مميزًا بين أرخص مناطق العالم في إنتاج الهيدروجين الأخضر، بفضل الاستفادة من الطاقة الشمسية والرياح، ما يمنحها ميزة تنافسية على الصعيد الإقليمي والدولي. ويشير الخبراء إلى أن تعزيز الإطار التنظيمي، وتطوير التقنيات، وتوسيع برامج التدريب، والتعاون الإقليمي والدولي، كلها عوامل ضرورية لتسهيل تنفيذ المشاريع الطموحة وتحقيق الاستفادة القصوى من الإمكانيات المتاحة.

وفي هذا السياق، قالت فتيحة العميري، مسؤولة عن إعداد وتنفيذ المشاريع الجماعية، في حديثها مع منصة كوسموس ميديا: من الإيجابيات التي اكتشفناها في تونس وجود مواهب علمية تعمل على ابتكار طرق لاستخلاص الهيدروجين الأخضر من المياه المكررة في المؤسسات المنزلية، وهو مشروع علمي مبتكر نأمل أن يجد تمويلًا لتطبيقه على نطاق عملي.”

وسط هذه التحديات والفرص، يتضح أن قطاع الهيدروجين الأخضر في شمال إفريقيا يتحول تدريجيًا إلى منصة للبحث والابتكار، وتعزيز التعاون متعدد الأطراف، بما يدعم التحول نحو اقتصاد طاقي مستدام، ويضع المنطقة كلاعب رئيسي في مستقبل الطاقة النظيفة.

مبروكة خذير و فتحية خذير كوسموس ميدياتونس

زر الذهاب إلى الأعلى