أمل الصامت – كوسموس ميديا
خلصت دراسة أعدّها المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية إلى أن تونس تصنّف كخامس دولة في العالم الأكثر عرضة لخطر الجفاف ونقص المياه، وذلك بسبب ارتفاع معدل الضعف الناتج عن مؤشر الجفاف، مشيرة إلى أنها على مدار العقد الماضي فقط، عانت من ست سنوات من الجفاف.
ولعل هذا التصنيف بمثابة جرس إنذار جديد لضرورة رفع الوعي بترشيد استهلاك المياه من جهة وتبني سياسات جديدة تقي البلاد من تهديد أمنها الغذائي وتعريض مواطنيها لخطر العطش والجوع من جهة أخرى، وهو ما ركزت عليه توصيات الدراسة المنجزة في إطار مشروع تعاوني بين المعهد التونسي للقدرة التنافسية والدراسات الكمية (ITCEQ) والوكالة الفرنسية للتنمية (AFD).
الوضع صعب ولكن الحلول موجودة؟!
تصنيف آخر تطرقت إليه الدراسة ورد ضمن مؤشر “الضعف المادي لتغير المناخ” l’Indice)
“de Vulnérabilité Physique au Changement Climatique “IPVCC) والذي يقيس مدى تأثير الصدمات المناخية، من بين 192 دولة في العالم، مما يدل على شدّة تعرضها لتأثيرات تغير المناخ، حيث تُعاني من نقص حاد في موارد المياه وشحّ في الأمطار على أكثر من 80٪ من أراضيها.
وأكد المهندس الخبير في قطاع المياه محمد صالح قليّد لكوسموس ميديا، أنه رغم هذه الظروف المناخية الصعبة المساهمة في شح المياه، إلا أن الحلول موجودة خاصة من قبل الدولة التي أصبح من الملحّ اليوم أن تعمل على توجيه طاقاتها المالية نحو الاستثمار في قطاع المياه والذي يتطلب اعتمادات كبرى، وفق تقديره.
وأشار قليّد إلى أن التعويل على نزول الأمطار وحده غير كاف وبات من الضروري تنويع مصادر المياه من خلال الاستثمار في المياه المعالجة وتحلية مياه البحر والذهاب نحو الطاقات المتجددة في هذا المجال.
وخلص الخبير ضمن منظمات وطنية ودولية في قطاع المياه والتنمية المستدامة صالح قليّد إلى ضرورة تعديل سياسات الدولة ومراجعة توجهاتها وتغيير عقلية المواطن في ما يتعلق بحسن استغلال الموارد المائية في مختلف القطاعات والاستعمالات اليومية والدورية.
الواقع والتوقعات في أرقام…
يُحذر تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) من تفاقم أزمة تغير المناخ في جميع أنحاء العالم، مع تأكيد خاص على منطقة البحر المتوسط، حيث يتسارع معدل التغير المناخي بنسبة تفوق 20٪ عن بقية العالم.
وتشير التوقعات المناخية لتونس بحلول عام 2050، إلى ارتفاع متوسط درجة الحرارة السنوية بمقدار 1.8 درجة مئوية مقارنة بمتوسط درجة الحرارة المسجلة خلال الفترة بين سنتي 1981-2010. كما تشير إلى انخفاض في في معدل هطول الأمطار، حيث من المتوقع أن تقل بمقدار 14 ملم و 22 ملم على التوالي بحلول عام 2050، بحسب ما نقلت الدراسة عن المعهد الوطني للرصد.
وفي تقييمها للخسائر المادية المترتبة عن هذه التقلبات الجوية، بينت الدراسة التي تحمل عنوان ” التأثيرات على الاقتصاد الكلي وتحديات تكيف القطاع الفلاحي مع تغير المناخ” أن ظاهرة الجفاف تسببت في أكثر من 18٪ من الخسائر الاقتصادية وأثرت على 741 ألف هكتار. في المقابل، تسببت الفيضانات في أكثر من 60٪ من الأضرار، على الرغم من أنها أقل تكرارا.
وذكرت الدراسة في هذا السياق بالأرقام الصادرة عن البنك الدولي سنة 2019 حول الأضرار والخسائر الناجمة عن الفيضانات التي ضربت ولاية نابل عام 2018، والتي قدرت بحوالي 299 مليون دينار تونسي، مما أثر بشكل كبير على قطاعات النقل والإسكان والفلاحة. وبلغت خسائر القطاع الفلاحي وحدها حوالي 50.8 مليون دينار تونسي، منها 26.6 مليون دينار أضرار و 24.2 مليون دينار خسائر.
الفلاحة والمياه والتغيرات المناخية…
تُعدّ قطاعات الفلاحة والمياه الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ في تونس. وتتميز الفلاحة بقدرة ضعيفة على التكيف مع التغيرات المناخية، بينما تُعاني موارد المياه من معدلات استهلاك مرتفعة وقدرة تخزين محدودة في السدود.
ولفت المهندس الخبير في قطاع المياه محمد صالح قليّد، في هذا السياق، إلى استنزاف الفلاحة السقوية للموارد المائية للبلاد، خاصة منها الجوفية، وهو ما يتطلب إعادة نظر في نوعية الزراعات المعتمدة، مثل الطماطم والقرعيّات، التي تحتاج كميات مياه هائلة في حين يتمّ تصديرها بأبخس الأثمان، وجعلها تركز بالأساس على الزراعات الأقل حاجة إلى المياه وتكون في نفس الوقت ذات مردودية عالية للفلاح وللاقتصاد الوطني ككل.
وفي تقييمه للوضعية الراهنة لقطاع المياه في تونس خاصة بعد الأمطار المسجلة منذ بداية الموسم الحالي والذي وصف بالجيد مقارنة بالسنوات الأخيرة، اعتبر محدث كوسموس ميديا، أن المخزون الموجود حاليا مطمئن لحد ما خاصة في ما يتعلق بمياه الشرب، إلا أن عادات التونسي وتقاليده المبذرة للماء لن تحدّ من الانقطاعات المتكررة كتلك التي سُجلت في السنوات الأخيرة وخاصة في فترة الصيف.
ودعا قليّد إلى ضرورة مصارحة المواطن بحقيقة الوضع المائي الصعب الذي تمرّ به البلاد حتى يكون سندا لا للدولة فقط في إطار ترشيد الاستهلاك بل سندا لنفسه ولاستمرارية العيش على هذه الأرض عموما.
يواجه قطاع المياه في تونس تحديات كبيرة جراء التغيرات المناخية، حيث تصنف البلاد كخامس دولة في العالم الأكثر عرضة لخطر تواصل تواتر الجفاف ونقص المياه، حيث تشير التوقعات المناخية إلى تفاقم هذه التحديات في المستقبل، مع ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدلات هطول الأمطار. ولذلك، بات من الضروري اتخاذ إجراءات جادة لمواجهة هذه التحديات، بما في ذلك ترشيد استهلاك المياه وتنويع مصادر المياه وتعديل السياسات وتغيير سلوكيات المواطنين.