سليديرمقالات

الدعسوقة المكسيكية: أمل إنقاذ الهندي في تونس أم خطر آخر؟!

أمل الصامت – كوسموس ميديا

اجتاحت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي خلال الفترة الأخيرة موجة من النقد الساخر لخبر صدر عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة يفيد بتسلم تونس 100 من حشرة الدعسوقة الكفيلة بالقضاء على الحشرة القرمزية التي انتشرت بين مزارع “الهندي”.. تلك الثروة النباتية الوطنية التي تقاوم منذ ثلاث سنوات “الوحش” القادم من المكسيك وأمريكا.

ولعل صورة توريد كمية من الحشرات تبدو مثيرة للسخرية لو أن الأمر كان هامشيا، إلا أن المسألة تتعلق بحماية واحد من أهم المحاصيل الزراعية في البلاد، والذي تمتد مساحته على 600 ألف هكتار، نصفها تين شوكي والنصف الآخر تين أملس، بما يجعل تونس مصنفة كثاني منتج عالمي للتين الشوكي بعد المكسيك بزهاء 550 ألف طن سنويا، فيما تحتل المركز الرابع عالميا على مستوى حجم الصادرات..

آفة الكوشنيل في تونس؟

تم التفطن لأول مرة لآفة الحشرة القرمزية، التي تصيب نبات التين الشوكي دون سواه من النباتات والأشجار، في شهر أوت سنة 2021، وقد عرف المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية الحشرة القرمزية على أنها قشرية رخوة على شكل بيضوي.

وتظهر الحشرات القرمزية على نبات الصبار على شكل كومات بيضاء تشبه القطن، هذه الكومات البيضاء تقوم الأنثى بإفرازها لتحميها وتمكنها من التنقل من لوح إلى لوح، وتتغذى أنثى الحشرة على ألواح التين الشوكي فتقوم بامتصاص عصارة النبتة فتظهر على الألواح مناطق مصفرة تتسع شيئا فشيئا، لتؤدي في النهاية إلى سقوط اللوح المصاب وموت الجذع في حالة شدة الإصابة.

وتنتشر هذه الآفة بسرعة كبيرة إذ تقوم الريح بحملها من مكان إلى آخر، كما يمكن أن تنتقل هذه الحشرات عبر التصاقها بالآلات الفلاحية والشاحنات وصوف الأغنام والأعلاف القادمة من المناطق الموبوءة.

آليات للمقاومة…

واجهت المغرب، أول الدول العربية التي سجلت ظهور هذه الآفة منذ سنة 2014، انتشارا واسعا للحشرة القرمزية، ممّا أدّى إلى خسائر فادحة في محصول التين الشوكي، خاصة وأنها تأخرت في وضع استراتيجية للمكافحة، إذ أتلفت الحشرة تقريبا كل مساحات “الهندي” بالمغرب رغم كل المجهودات والأموال التي صرفت للمداواة والقلع والردم واللّجوء لمفترسات للحشرة القرمزية على غرار الدعسوقة المكسيكية، قبل أن تنجح في الأخير في إعادة غراسة المساحات المتلفة بالاعتماد على انتاج وإكثار أصناف مقاومة واتباع استراتيجية أعدتها الدولة لمجابهة الحشرة القرمزية انطلاقا من سنة 2016.

أما بالنسبة إلى تونس فقد سعت منذ ظهور البؤرة الأولى بالمهدية خلال شهر أوت من سنة 2021، لمكافحة هذه الحشرة، من خلال طرق أولية، منها التنبيه على الفلاحين بالتلبيغ عن أي بؤرة تعرضت للإصابة، وتنظيم حملات تقصي للبحث عن أي إصابات وعزل المناطق المصابة.

إضافة الى ذلك عملت وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري على إيجاد حلول جديدة لمكافحة هذه الحشرة، سواء باعتماد الوسائل الكيميائية أو الحشرة المضادة (الدعسوقة) والتي اتُفق على إكثارها بدعم من منظمة الأغذية والزراعة، إذ تعتبر تجربة ناجحة للقضاء على الحشرة القرمزية وقد تم اعتمادها بالمغرب والمكسيك.

وفي هذا الإطار يأتي إعلان منظمة الأغذية والزاراعة (الفاو) عن وصول 100 من حشرة الدعسوقة إلى تونس وتسلمها من قبل الجهة المعنية بمقاومة الحشرة القرمزية بوزارة الفلاحة، وذلك في إطار الميزانية الطارئة التي وضعتها المنظمة لمكافحة آفة الحشرة القرمزية التي تفتك بزراعات الصبار في تونس والتي تقدر بـ 500 ألف دولار.

وفي تصريح سابق أفاد المسؤول الإقليمي لوقاية النبات في مكتب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة بالشرق الأدنى وشمال أفريقيا ثائر ياسين، بأن الحشرة القرمزية لنبات الصبار هي من أخطر الآفات الغازية التي خلفت في العقد الماضي أثرًا من الدمار على سبل العيش والمزارع الريفية. فقد أصابت الحشرة 100 ألف هكتار من نبات الصبار في البرازيل وتسببت في خسائر قدرها 100 مليون دولار أمريكي فضلا عن مشاكل اقتصادية واجتماعية للمجتمعات الريفية.

الرمح الثلاثي: سلاح ذو حدّين؟!

تعيش الدعسوقة المكسيكية صفراء اللون بخطوط سوداء المعروفة أيضا بـ”دعسوقة الرمح الثلاثي” على أكل الحشرات القشرية التي تصنف من الآفات الزراعية من بينها الحشرة القرمزية، وكغيرها من حشرات الدعسوقة تضع بيضها مباشرة في مستعمرات حشرات المن والحشرات القشرية بكميات كبيرة، مما يضمن ليرقاتها الحصول على مصدر غذائي فوري.

خصائص الدعسوقة المكسيكية

يواجه قدوم حشرة الدعسوقة المكسيكية عديد الآراء المتباينة ليس في صفوف المواطنين فقط بل أيضا تختلف وجهات النظر بين العلماء والخبراء في مجال البيئة والنباتات والحشرات.

ويعتبر المختص في علم الحشرات وائل بن عبا أن اللجوء إلى حشرات غريبة عن بيئتنا من شأنه أن يحدث مفعولا عكس المنتظر، مفيدا بوجود  52 نوعا من حشرة الدعسوقة في تونس من بينها الدعسوقة الشهيرة بأمي سيسي (Coccinella algerica) ودعسوقة أخرى تصنف من الأنواع المستوطنة (espèces endémiques) والتي لا توجد في أي مكان آخر في العالم، مشيرا إلى وجود أنواع من بين هذه الأنواع المحلية التي من شأنها أن تساهم في مكافحة الحشرة القرمزية.

وعن المفعول السلبي المحتمل للدعسوقة المكسيكية في البيئة التونسية، أوضح بن عبا في تصريح لكوسموس ميديا، أنه لا يمكن قياس نجاعة أي تدخل يحدث على منظومة بيئية معينة إلا بمرور وقت طويل جدا يصل أحيانا إلى عشرات السنوات حتى نتأكد مائة بالمائة إذا كان ذلك التدخل صائبا أم لا، مع الحفاظ على نسق مكثف من المتابعة والتقييم من قبل العلماء والمختصين، حسب تعبيره.

ويضيف محدثنا قائلا: “أحيانا يكون الهدف معالجة مشكل معين فنقع في مشاكل أكبر وأخطر، في حين يمكننا تفادي هذا الخطر باللجوء إلى أنواع الحشرات المحلية والتركيز على نجاعتها في افتراس الحشرات الضارة بالنباتات، عوض اللجوء إلى مفترسات غريبة قد تتحول إلى خطر على التنوع البيولوجي يتحوّلها إلى نوع غازي”.

يتابع رئيس الجمعية التونسية للحياة البرية وائل بن عبا ملخصا موقفه من اللجوء إلى الدعسوقة المكسيكية بالقول إنه في حال اختارت الدولة اعتماد هذه الدعسوقة الدخيلة على المنظومة الطبيعية للبلاد التونسية فإن الأمر يتطلب دراسات معمقة للتأثيرات المحتملة تليها متابعة ومراقبة دقيقة من أجل القدرة على التحكم في الوضع قبل أن يخرج عن السيطرة، وفق تقديره.

موقف علمي مختلف

كما أشرنا منذ البداية، تختلف وجهات النظر الإيكولوجية عن المواقف العلمية في تقييم المسألة إذ استأنست كوسموس ميديا برأي باحث في علم النباتات والزراعات البيولوجية (يحبّذ عدم ذكر اسمه) والذي أكد أنه من بين الطرق العلمية الناجعة لمقاومة أي آفة قادمة من بلد إلى آخر “المقاومة الحيوية بالتوطين”، موضحا أن هذه الطريقة تقوم على البحث في الموطن الأصلي للحشرة القرمزية عن أعدائها الطبيعيين وجلبهم للقيام بدورهم الطبيعي في مقاومتها.

في المقابل لم ينف محدثنا أهمية العمل على دراسة التأثير المحتمل لهذه الكائنات الغريبة على طبيعة المنظومة الإيكولوجية والمناخية في تونس، مشيرا إلى أن التهديدات المحتملة عديدة من بينها تحوّل حشرة دعسوقة الرمح الثلاثي إلى حشرة منافسة للأنواع المحلية التي تتغذى على نفس غذائها أو تصبح مفترسة للحشرات النافعة المحلية…

هل تكون “الدعسوقة” سلاحا فعالا في وجه وحش “الهندي”؟

الكثيرون يتساءلون عن مدى نجاعة حشرة “#الدعسوقة”🐞 لمكافحة آفة #الحشرة_القرمزية 🕸التي باتت تهدد ثروة #التين_الشوكي🌵 أو ما يعرف باسم “#الهندي” في #تونس 🇹🇳
هنا #فيديو_تفسيري 🧐 تجدون فيه ما لا تعرفونه عن هذا النوع المقاوم للحشرة القرمزية من #حشرة الدعسوقة التي تتفرع إلى أكثر من 5 آلاف نوع وهي تنتمي إلى فصيلة #الخنافس 🕷
عمل صحفي: فتحية خذير
مونتاج وغرافيك: صبرين النخيلي

Publiée par Cosmos Media Tunisia sur Vendredi 28 juin 2024

وردا على ما يروج حول “عجز” الدولة التونسية عن توريد “بضع حشرات” أو اقتنائها مباشرة من المصدر ولجوئها في ذلك لمنظمة “الفاو”، اعتبر محدثنا أن هذه المواقف ناجمة عن عدم دراية علمية وإجرائية، موضحا أنه عملية إدخال كائنات حية من بلد إلى آخر إجرائيا عملية معقدة وتتطلب وقتا طويلا إذا تم اتباع الطرق الديبلوماسية الكلاسيكية، وبالتالي فإن تدخل منظمة الأغذية والزراعة بوصفها منظمة عالمية معترف بها لدى أغلب الدول يسهل كل الإجراءات التي من شأنها تعطيل عملية جلب هذه الكائنات.

إضافة إلى الجانب الاجرائي، فإن إدخال هذه الحشرة الدخيلة على طبيعتنا وبيئتنا دون رقابة وإجراءات صارمة ودقيقة يمكن أن يتسبب في إدخال أمراض معدية للحشرات النافعة المحلية، أو جلب نوع غير مطابق جينيا مما يساهم في فشل العملية على أرض الواقع، وهو ما تسهر عليه عادة منظمة “الفاو” تحت رقابة الدولة المعنية وإشراف خبرائها، وفق المصدر ذاته.

وتقع عملية إدخال الحشرات أو أي نوع من الكائنات الدخيلة عادة تحت إشراف خبراء في ميدان المكافحة البيولوجية من أجل التأكد من الهوية الجينية للحشرة ووضعها في الحجر الصحي للتأكد من سلامتها من الأمراض والطفيليات، والاستمرار بعد ذلك في مراقبتها ومتابعتها حتى بعد إكثارها وإطلاقها في الطبيعة.

تساؤلات لا تنتهي

كثيرة هي التساؤلات التي رافقت خبر استلام الدولة التونسية 100 دعسوقة مكسيكية لمكافحة الحشرة القرمزية من بينها لماذا 100 دعسوقة وليس أكثر أو أقل، وهو ما أجاب عنه الباحث في علم الحشرات وائل بن عبا كوسموس ميديا، مفسرا أنه عادة ما تخصص هكذا كمية للإكثار لا الاطلاق المباشر في الطبيعة، وبالتالي يحتاج الأمر إلى توازن في العدد بحيث لا يكون كبيرا حتى يسهل التحكم فيه، ولا يكون صغيرا حتى يمكن من الحفاظ على درجة من التنوع الجيني للنجاح في إكثار الحشرة.

وحسب ما أكدته مصادر موثوقة لكوسموس ميديا، فإن الجهة المعنية بمقاومة الحشرة القرمزية بوزارة الفلاحة تسهر على اتباع الخطوات العلمية اللازمة، حيث تم إدخال الكمية المستلمة من حشرة الدعسوقة إلى الحجر الصحي لمدة سوف تستمر لأربعين يوما من تاريخ تسلمها، على أن تنطلق فيما بعد عملية الإكثار ثم تأتي مرحلة الإطلاق في الطبيعة.

لئن تصنف الدعسوقة المكسيكية (دعسوقة الرمح الثلاثي) ضمن أكبر مفترسات الحشرة القرمزية إلا أنها غير قادرة وحدها على القضاء نهائيا على هذه الآفة المصنفة كآفة قوية جدا وقادرة على التكيف مع مختلف الظروف البيئية، الأمر الذي يتطلب استراتيجية متكاملة ترتكز أساسا على الوقاية والمكافحة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى