سليديرمقالات

اليوم المتوسطي للساحل 2025: مدخل إلى تحديات وفرص التعاون الإقليمي

مبروكة خذير – كوسموس ميديا-تونس

في ظلّ التحديات البيئية المتسارعة والتهديدات المتزايدة التي تواجه سواحل البحر الأبيض المتوسط، تبرز فعالية “اليوم المتوسطي للساحل 2025” كمنصة استراتيجية نقدية تجمع المؤسسات الإقليمية والدولية والمحلية في إطار حوار شامل ومتعدد الأبعاد.

هذه التظاهرة التي تنظمها وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي (APAL) بالتعاون مع برامج الأمم المتحدة والجهات الإقليمية، لا تكتفي بمجرد تلبية المعطيات الراهنة، بل تسعى إلى عكس الواقع البيئي والاجتماعي المُعقّد الذي يُحيط بالسواحل المتوسطية، مع التركيز على تعزيز التعاون التشريعي والمؤسساتي بين دول حوض المتوسط.

تهدف الفعالية إلى تسليط الضوء على ضرورة تبني استراتيجيات مستدامة وحلول مبتكرة لحماية الثروات البحرية والساحلية التي تعيش عليها ملايين الأسر المتوسطية، في ظل ارتفاع درجات حرارة مياه البحر وتزايد مظاهر التلوث وتفاقم التغيرات المناخية التي تُشكل تحديًا بيئيًا غير مسبوق.  تُجدد هذه المبادرة دعوتها للعمل التنسيقي المشترك وعلى مستويات متعددة—سياسية، علمية، فنية—لمواجهة المخاطر البيئية بحيوية وفعالية منقطعة النظير، مع ضمان مشاركة فعالة لكل الأطراف المعنية من حكومات ومنظمات ومجتمعات محلية.

يؤكد المشاركون في يوم السواحل على أن التعاون المؤسسي بين الدول المتوسطية هو السبيل الأمثل للاستجابة لآثار التغير المناخي والضغوط السكانية المتزايدة التي تشهدها السواحل، من خلال تطوير أُطر قانونية وتنظيمية مرنة تدعم التأقلم والتكيف وتعزز الصمود البيئي والاجتماعي لهذه المناطق الحيوية. كما تهدف الفعالية إلى نشر المعرفة وتبادل الخبرات لوضع سياسات مندمجة تجمع بين حماية البيئة والتنمية المستدامة لضمان مستقبل أفضل للسواحل والمتوسطيين عموماً.

التغيرات المناخية : من التهديد إلى الاستجابة المشتركة

تعد الظواهر البيئية مثل ارتفاع الحرارة وتدهور جودة المياه من أخطر التهديدات التي تشهدها السواحل المتوسطية، ما ينتج عنه سلسلة من النتائج البيئية والاجتماعية والاقتصادية. ارتفاع درجات حرارة مياه البحر بأكثر من درجتين مئويتين يشكل صدمة للنظام البيئي، فتبدأ سلاسل غذائية بحرية تتغير بفعل الأنواع الغازية التي تحل محل الأصولية، وهو ما يهدد الصناعات السمكية التي تعتمد عليها ملايين الأسر المتوسطية. في هذا الإطار أكد المهدي بن الحاج، المدير العام بالنيابة بوكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي، في حديثه لمنصة كوسموس ميديا، أن “تطور المؤسسات المتوسطية في دعم صمود الساحل يُعد المحور الأساسي لهذه الفعالية، خاصة مع التّحديات البيئية التي تفرضها تغيرات المناخ وتأثير ارتفاع مستوى مياه البحر”. وأضاف: “لقد تقدمت تونس بحماية 35 كم من السواحل بالتعاون مع شركاء أجانب، وتسعى لتوسيع هذه الجهود لتشمل 300 كم، مع التركيز على حلول تعتمد على الطبيعة لحماية الشواطئ من الانجراف البحري. كما نعمل على إحداث محميات بحرية وساحلية بالتنسيق مع عدة دول لضمان حفظ التنوع البيولوجي”.

 كما تعاني السواحل المتوسطيّة من التلوث البلاستيكي الذي أدى  إلى تقليل التنوع البيولوجي وإحداث اضطرابات في معدلات التكاثر والنجاة للكائنات البحرية. ويأتي التوسع العمراني غير المنضبط ليزيد من فقدان المواطن الطبيعية وزيادة الضغط السكاني على الشريط الساحلي، ما يستوجب إعادة تصميم سياسات الحماية والتخطيط العمراني الحضري بزاوية بيئية.

 تونس كنموذج إقليمي لحماية السواحل

أثبتت تونس، عبر نشاطاتها المتواصلة في مجال حماية الشواطئ، مدى فعالية التخطيط والتنفيذ في تحقيق نتائج ملموسة. بفضل استراتيجيات تحصين الشواطئ والدمج بين جهود القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني، نجحت في الحد من تآكل السواحل ودعم الموائل الطبيعية البحرية. لم تقتصر إنجازات تونس على حماية عشرات الكيلومترًا من الشواطئ بخطط مرنة مستوحاة من الطبيعة، بل امتدت لتشمل إطلاق محميات بحرية وساحلية بتعاون دولي  في هذا الباب قال المهدي بن الحاج، خلال حديثه مع كوسموس ميديا ” نجحنا في حماية حوالي 35 كم من الشواطئ بالتعاون مع الجانب الألماني، وهناك 35 كم إضافية نعمل على حمايتها مع ألمانيا وهولندا. أما فيما يخص منطقة جمّارة قرطاج، فنقوم بحمايتها بتعاون مع الجانب السعودي، مع وجود تمويلات مخصصة لذلك. ونبحث باستمرار عن تمويلات إضافية لمواجهة الضرر الذي يلحق بمساحات تبلغ حوالي 300 كم.”

يظهر التعاون الدولي مع تونس أهمية التنسيق الإقليمي وأثر التمويلات متعددة الجنسيات لتغطية مئات الكيلومترات المتضررة، مما يجعل تجربة تونس نموذجًا يحتذى به في البحر المتوسط ككل.

 مشاركة فاعلة وحيوية للمجتمعات المحلية 

يمثل التركيز على المجتمعات المحلية الساحلية في فعالية “اليوم المتوسطي للساحل 2025” محورًا أساسيًا يميز هذه التظاهرة عن غيرها من المبادرات البيئية. إذ أكد الباحث في مجال العلوم حمدي ملاط في حوار خاص مع منصة كوسموس ميديا ، أن “المجتمعات المحلية الساحلية هي قلب الحكاية، فهم أول المتضررين من التغيرات المناخية، ويجب أن تكون أصواتهم مسموعة في صياغة السياسات وخطط الحماية.”

يعتبر حمدي ملاط أن دمج المجتمعات المحلية في صياغة وتنفيذ السياسات البيئية ليس خيارًا بل ضرورة ملحة، عائدًا إلى الدور الحيوي الذي تلعبه هذه المجتمعات في مراقبة الواقع البيئي وفهم التحديات التي تواجهها السواحل بشكل مباشر. ويعتبر ملاط أن المعارف المحلية والتجارب الميدانية التي تحظى بها المجتمعات الساحلية، كالصيادين والنساء والمزارعين، تفتح آفاقًا مغايرة لا يمكن للجهات الرسمية وحدها تصورها.

كما أن إشراك هذه الفئات المتنوعة من المجتمع في وضع الخطط وتنفيذ الاستراتيجيات يضمن أن تكون الحلول واقعية وملائمة للأوضاع المحلية، مما يعزز فرص استمراريتها وفعاليتها أمام تغييرات المناخ المستمرة. وتُبرز الفعالية أهمية تعزيز الحوار بين الحكومات والمنظمات والمجتمعات المحلية لتكوين رؤية مشتركة تنطلق من الأرض وتتكامل مع السياسات الوطنية والإقليمية، بما يؤسس لإدارة مستدامة للموارد البحرية والشريط الساحلي.

تأتي هذه الرؤية التشاركية في وقت يعاني فيه البحر المتوسط من ضغوط متزايدة ناجمة عن تغيرات مناخية تؤثر بشكل مباشر على حياة الملايين ممن يعتمدون على البيئة الساحلية في معيشتهم، مما يجعل إشراك المجتمعات للسواحل في عملية صنع القرار البيئي ضرورة استراتيجية لتحقيق صمود حقيقي ومستدام للمنطقة.

الاستغلال المفرط والتهديدات البحرية: استراتيجيات للحفاظ على النظام البيئي

تحدّث إلياس حمزة، مدير المركز الإقليمي لخطة العمل المتوسطية في تحليله للوضع البيئي خلال فعاليات اليوم المتوسطي للساحل 2025.، عن التهديدات الكبرى للسواحل قائلاً: “نواجه استغلالاً مفرطاً للموارد البحرية حيث 73% من الأنواع البحرية التجارية مهددة بسبب الصيد الجائر، بالإضافة إلى التّلوث البلاستيكي الضخم الذي يهدد النظام البيئي البحري. هذا واقع لا يمكن تجاهله وعلينا العمل عليه دولياً.”

ولمواجهة هذا التحدي، شدد إلياس حمزة على ضرورة اعتماد خطط إدارة مستدامة لصيد الأسماك، تشمل تعزيز الرقابة الدولية وتفعيل حملات مكافحة التلوث، خاصة التلوث البلاستيكي الذي يهدد الحياة البحرية. وأوضح حمزة أن الاستجابة لحماية البحار تتطلب دمج تقنيات متقدمة ومراقبة بيئية ذات دقة عالية لتعزيز القدرة على التدخل السريع والفعال، مما يساعد في الحفاظ على توازن النظام البيئي وتأمين الموارد البحرية للأجيال القادمة.

هذا المنظور يعكس الحاجة الملحة إلى تعاون متوسطي ودولي قوي بين الدول المعنية لتطوير أطر قانونية وبيئية مشتركة، يتم تطبيقها بشكل صارم من أجل استدامة الموارد البحرية في البحر الأبيض المتوسط ومواجهة الآثار السلبية للصيد الجائر والتلوث المتزايد. 

التعاون الدولي لبناء مرونة مجتمعية: العلوم والسياسات

قدّم محمود الكعبي مدير مشروع التنمية الساحلية خلال حواره مع منصة كوسموس ميديا رؤية عميقة ومبتكرة حول كيفية تحويل التعاون الدولي من مجرد خيار إلى ضرورة لا غنى عنها لمواجهة التحديات الكبيرة التي تفرضها الكوارث المناخية والتأثيرات غير المتوقعة و قال الكعبي أن :” لبناء مرونة مجتمعية وبيئية في مواجهة الكوارث المناخية، علينا دمج العلوم، الحكومات، والناس في كل خطوة.”

يرى محمود الكعبي أن بناء مرونة فعّالة وقوية يجب أن يبدأ من المستويات الفردية مرورًا بالمجتمعات المحلية، عبر دمج معرفات مختلفة تشمل علوم البيئة والاقتصاد مع السياسات الحكومية المحلية، مع التركيز على تعزيز المشاركة الفاعلة للمجتمع المدني. من خلال هذا التكامل، يمكن تصميم حلول مستدامة مرنة تتوافق مع الواقع المتغير والمتسارع، مما يجعل المرونة الدفاع الأساسي الأول في مواجهة التدهور البيئي المستمر. يدعو الكعبي إلى بناء شبكات مجتمعية متماسكة وقادرة على التكيف السريع والاستجابة الفورية، بحيث يتم تحويل التحديات إلى فرص من خلال استعداد مجتمعي مستدام قادر على حماية البيئة وضمان استمرارية الحياة في ظل الظروف المناخية المتقلبة.

النماذج الإبداعية للحفاظ على التنوع البيولوجي

داريا بوف سكوجور الناشطة البيئية سلطت الضوء على التعاون بين مختلف القطاعات من أجل الحفاظ على المواطن الطبيعية مثل الحقول البحرية للأعشاب البحرية “بوسيدونيا”. هذه المواطن تلعب دورًا في تثبيت الكربون وحماية السواحل من التآكل، وهي من البيئات البحرية الحيوية للتنوع البيولوجي. المضي قدمًا في دعم هذه المشاريع يتطلب تنسيقًا متكاملاً بين الحكومات، قطاع الأعمال، ومنظمات المجتمع المدني لتمويل ودعم مبادرات الحفاظ والابتكار البيئي.

 تحذيرات “الخطة الزرقاء”: انعكاسات أزمة المناخ والتلوث

ناقش التقرير الصادر عن “الخطة الزرقاء” تأثيرات الاحتباس الحراري والتلوث البلاستيكي الذي وصل إلى أضعاف المعدلات العالمية في البحر المتوسط. هذه الأرقام تشكل قاعدة علمية للتحرك العاجل، وتضع أمام صناع القرار تحديًا حقيقيًا لتعديل التشريعات وتعزيز المراقبة وتطوير مشاريع تأهيل وتحسين جودة المياه ومواردها البحرية.

معرض تعليمي توعوي للتصرّف مستدام علي السواحل

هذا وقد تم تنظيم معرض تعليمي متميز ضمن فعاليات احتفالية يوم الشريط الساحلي لسنة 2025، حيث يسلط المعرض الضوء على مشاريع رائدة ومبتكرة تهدف إلى التصرّف المستدام والمتكامل للمناطق الساحلية. وقد جاء هذا الحدث بالتعاون والتنسيق مع مجموعة من المؤسسات الدولية والإقليمية المختصة في حماية البيئة والتنمية الساحلية، مما يعكس أهمية الشراكة والتعاون متعدد الأطراف لمواجهة التحديات البيئية الكبرى.

يركز المعرض بشكل خاص على عدد من القضايا البيئية الحرجة التي تهدد استقرار النظم الساحلية، أبرزها التغير المناخي الذي أدى إلى ارتفاع منسوب البحار وتأثيره على الشعاب المرجانية والسواحل، وكذلك التراجع الكبير في التنوع البيولوجي البحري الذي يهدد مصائد الأسماك وأنواع الكائنات البحرية المتنوعة. إلى جانب ذلك، يسلط المعرض الضوء على مشكلات تلوث المياه الساحلية الناتجة عن المخلفات الصناعية والزراعية والنفايات البلاستيكية، والتي تضر بصحة الأحياء البحرية وجودة الموارد السمكية.

يتضمن المعرض أربعة أركان رئيسية متخصصة، كل واحد منها مكرس لمناقشة إشكاليات بيئية محددة. من بين هذه الأركان، ركن خاص يستعرض أبرز المشكلات التي تواجه خليج قابس، ومنها الصيد البحري غير القانوني الذي يفاقم من استنزاف الثروة السمكية ويهدد توازن النظام البيئي في المنطقة. كما يعرض الركن تراجع إنتاج المصايد البحرية، نتيجة عوامل متعددة منها الإفراط في الصيد والتغيرات البيئية، بالإضافة إلى تعديات تمتد إلى الملك البحري من استغلال غير قانوني يؤدي إلى تدهور الموارد الطبيعية الساحلية.

هذا المعرض يشكل منصة تعليمية وتوعوية تهدف إلى تعزيز الوعي البيئي لدى الزوار والمجتمعات المحلية، وتشجيعهم على المشاركة في جهود الحفاظ على المناطق الساحلية وحمايتها من التدهور، من خلال تقديم نماذج ناجحة وممارسات مستدامة يمكن تعميمها على المستوى الوطني والإقليمي.

 و نادت الدكتورة لبنى بودية، الأستاذة محاضرة بكلية العلوم بصفاقس،نادت بأهمية تكثيف البحث فيما يخص البيئات البحرية في تونس .

و أبدت بودية المتخصصة في علم الأحياء وفسيولوجيا الحيوانات اهتماماً كبيراً بأهمية نبتة الضريع في خليج قابس، مشيرة في حديث لها مع كوسموس ميديا ،إلى أن هذه النبتة تلعب دوراً أساسياً في توازن الأنظمة البيئية المائية بالمنطقة. أوضحت أن الضريع ليست مجرد نبات مائي بل هي مؤشر بيولوجي حساس يعكس حالة التلوث البيئي البحري والساحلي، حيث تتأثر بنوعية المياه وتركيز الملوثات فيها.

وأكدت أن وجود الضريع ومستوى صحتها يُستخدم كمعطى حيوي لتقييم جودة المياه وكشف التغيرات البيئية الناتجة عن النشاطات البشرية مثل التلوث الصناعي والصرف الزراعي. كما أضافت أن الحفاظ على هذه النباتات يسهم في حماية التنوع البيولوجي والاستقرار البيئي لخليج قابس، ويعزز من قدرته على توفير الخدمات البيئية للسكان المحليين.

في ختام مداخلتها، شددت الدكتورة بودية على أهمية مراقبة النبتة بانتظام واستخدامها ضمن برامج تقييم المؤشرات البيولوجية للتلوث، مما يساعد في وضع سياسات بيئية فعالة للحفاظ على البيئات البحرية والساحلية في تونس.

تتعرض السواحل الشرقية لتغيرات مناخية حادة، فارتفاع درجات حرارة مياه البحر بأكثر من درجتين له آثار مباشرة على النظام البيئي البحري، من تهديد أنواع بحرية أصلية إلى ظهور أنواع غازية تنافسها. كذلك، تتصاعد المظاهر المدمرة من موجات الجفاف والفيضانات وارتفاع منسوب المياه، مما يمنح أزمة تآكل السواحل أبعاداً أكثر تعقيدًا تفرض استجابة متكاملة بين الأقاليم المتضررة. تحليل هذه التحديات يبرز الحاجة إلى استراتيجيات مستندة إلى أبحاث ميدانية متقدمة وابتكار حلول منسقة بين الدول.

زر الذهاب إلى الأعلى